روائع مختارة | روضة الدعاة | فن الدعوة (وسائل وأفكار دعوية) | ناصحون.. لا مؤنبون

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة


  ناصحون.. لا مؤنبون
     عدد مرات المشاهدة: 3876        عدد مرات الإرسال: 0

لا يعرف الداعية الحصيف معاني اللوم والتأنيب والتوبيخ والتقريع..

إنها هوايات لا يمارسها الفاهمون، ولا يعرفها قاموس الواعين بطبائع النفوس وسجايا البشر، الذين لا يبغضون شيئاً في الدنيا كالنقد والتنقيص.

هناك أناس يدمنون التقليب في الصفحات السوداء، والتقصي عن هِنات الماضي، ويشعرون بنشوة غامرة في تقريع المقصرين، وتأنيب المذنبين.

وإذا كان الداعية على هذا المنهج السلبي، فلن تتقدم الدعوة قيد شبر، ولن تنفتح له قلوب الناس مثقال ذرة.

ومن هنا.. كان من الضرورة أن يدرس الداعية غرائز النفوس ورغباتها وميولها. . حتى يستطيع أن يتعامل معها بنجاح.

إن التأنيب أشد صور النقد، والنقد أكبر حاجز تصنعه بينك وبين من تدعوه، وأول لبنة تضعها في طريق الإعراض عنك.

فالناس يعشقون الإطراء، ويهيمون بمن يمدحهم، ولا يمكن لناقد أن ينال الحظوة في قلوبهم.. ولا نَعني بذم النقد والتقريع أن تصل إلى مرتبة من النفاق، ولكننا نصور لك المعالم الأولى للتأثير فيمن حولك.

يقول (ديل كارينجي): 

” في تعاملنا مع الناس.. علينا أن ندرك أننا لا نتعامل مع أناس منطقيين، وإنما أناس عاطفيين كلهم تحيز.. يحركهم الغرور والكبرياء”(1)

وإذا بحثنا عن سر نجاح (بنيامين فرانكلين)، وهو من أعظم الساسة الأمريكيين، وسفير أمريكا في فرنسا، فإنه يكشف لنا عن هذا السر فيقول: 

” لم أكن أتكلم بسوء عن أي شخص، ولكن أتكلم بكل خير أعرفه عن أي شخص”

أما (أبراهام لينكولن) الرئيس السادس عشر لأمريكا فيقول: 

“لا تنتقد أحداً حتى لا ينتقدك”

كما يؤكد على النقد الإيجابي فيقول:  ” الشخص الوحيد الذي يحقّ له أن ينتقد، هو الشخص الذي لديه قلب للمساعدة”

وينقل لنا (كارينجي) تلك الحكاية عن (تشارلز شواب) رئيس شركة الحديد الأمريكي التي يملكها (أندرو كارينجي).

حيث كان (تشارلز) من أوائل الأشخاص في مجال العمل الأمريكي حصولاً على مرتب يربو على المليون دولار سنويًا، وكان رئيس شركة حديد، وكان هناك في الشركة من كان يعرف أكثر منه في تصنيع الحديد.!

يعرض (شواب) سبب تفوقه وقدرته التي ميزته عن غيره وجعلته يتقاضى هذا الراتب الكبير على من هم أكفأ منه فيقول:

” إنني أعتبر قدرتي على إثارة حماسة الموظفين هي أعظم خصائصي، وإظهار ما لدى الموظف.. إنما يكون عبر التقدير والتشجيع، وليس هناك من شيء يقتل طموحات الموظف مثل النقد من الرؤساء؛ ولذلك فإنني لا أنتقد أحدًا.

فأنا أومن بإعطاء الموظفين حافزًا للعمل، ولذلك تجدني تواقًا للمدح كارهًا لتصيد الأخطاء، فإذا كان هناك شيء أحبه، فهو أنني صادق في استحساني، وكريم في مدحي”.

وحينما رحل (شواب) كتب (كارينجي) مالك الشركة على قبره

“هنا يرقد شخص عرف كيف يجمع حوله رجالاً أذكى منه؟ ”

لقد رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلوب اللوم والتأنيب، رفض أن يكون الفشل في عمل أو مهمة أو مرحلة سبيلاً للتعيير والتأنيب والإتهام بالتقصير، الذي يولد الضعف والخور والوهن في العزائم والنفوس.

ففي مؤتة أعد خالد خطته العبقرية للإنسحاب بذكاء، حتى لا يعرّض جيش المسلمين لمحاولة لا شك خاسرة، إن لم تكن من قبيل الإنتحار!

ولكنه حينما رجع للمدينة، تلقاه الغلمان وبعض المتحمسين يرمونهم بالحصى، ويحثون عليهم التراب، ويعيرونهم بقولهم يا فرار!

وهنا يتدخل r ويدافع عنهم، ويعلن رفضه لهذا التقريع الذي يهد كبرياء الرجال، ويقول: 

” لَيْسُوا بِالْفُرَّارِ، وَلَكِنَّهُمُ الْكُرَّارُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ “

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طبيباً يداوي النفوس، قبل أن يكون زعيماً يحاسب جيشه على التقصير، لقد قام بما تقوم بها الشئون المعنوية في الجيوش الحديثة، حينما تعيد تأهيل الجنود، وتعدهم مرة أخرى للنزال، وهو ما تحقق للمسلمين بعد ذلك حينما هزموا كل الطواغيت، وأزالوا العقبات من طريق الإسلام.

وقد يعيب البعض على (عَبْد اللَّهِ بْن حذافة السهمي) أن قبل رأس علج ولكن فقه عمررضي الله عنه، كان أبصر من الجميع، حينما قام وقبل رأسه، وقال:

” أطلق اللَّه بتلك القبلة ثمانين من المسلمين “

هناك فرق هائل بين الناصح والمؤنب، والذين يؤنبون الناس، وهم يتصورون ذلك نصحاً فلا يلومون إلا أنفسهم.. أما نحن فلا يسعنا إلا أن نقدم لهم كلاماً عظيما لابن القيم، يصور فيه الفرق بين الأمرين:

” إنَّ النصيحة إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة له والشفقة عليه والغيرة له وعليه، فهو إحسانٌ محض يصدر عن رحمة ورقة، ومراد الناصح بها وجه الله ورضاه والإحسان إلى خلقه، فيتلطَّف في بذلها غاية التلطف.

ويحتمل أذى المنصوح ولائمته، ويعامله معاملة الطبيب العالم المشفق والمريض المشبع مرضًا، وهو يحتمل سوء خلقه وشراسته ونفرته، ويتلطف في وصول الدواء إليه بكلِّ ممكن، فهذا هو شأن الناصح.

وأما المؤنِّب فهو رجل قصده التعيير والإهانة وذم من أنبه وشتمه في صورة النصح، فهو يقول له: يا فاعل كذا وكذا، يا مستحقًا للذمِّ والإهانة في صورة ناصح مشفق.

وعلامة هذا. . أنَّه لو رأى من يحبه، ويحسن إليه على مثل عمل هذا أو شرٍّ منه؛ لم يعرض له، ولم يقل له شيئًا، ويطلب له وجوه المعاذير، فإن غلب؛ قال: وأنا ضمنت له العصمة، والإنسان معرض للخطأ ومحاسنه أكثر من مساوئه، والله غفور رحيم، ونحو ذلك.

فيا عجبًا كيف كان هذا لمن يحبه دون من يبغضه، وكيف كان حظُّ ذلك منك التأنيب في صورة النصح، وحظُّ هذا منك رجاء العفو والمغفرة، وطلب وجوه المعاذير!!

ومن الفرق بين الناصح والمؤنِّب أيضا:

أنَّ الناصح لا يعاديك إذا لم تقبل نصيحته، وقال قد وقع أجري على الله قبلتَ أو لو لم تقبل، ويدعو لك بظهر الغيب ولا يذكر عيوبك ولا يبينها في الناس والمؤنِّب في ضد ذلك”(2)

ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

(1) – كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الآخرين- ديل كارينجي

(2) – الروح لابن القيم

الكاتب: حاتم سلامة

المصدر: موقع إسلاميات